فتية ثلاثة على مقعد الدرس ، اختاروا بعد الله أن يصنعوا أقدارهم و كنت واحداً" منهم . جمعنا حب الدرس و الطموح و صدق القول و العمل .
بدأت رحلة العمر سوية عندما استعرت قميص أحدهم الجديد لاحضر مناسبة لا أذكرها و راقت لنا فكرة التبادل فأصبح لكل منا ثلاثة قمصان بدل الواحد . و لأننا كنا نذاكر سوية كل يوم فاتفقنا أن نتقاسم نقود مصروفنا اليومي في كل يوم فكل منا يضع ما في جيبه من نقود على الطاولة ثم نتقاسمها بالتساوي . و بقينا على هذا الحال سنين طويلة . و لكن فكرة الأشتراكية هذه تعدت القميص ومصروف الجيب الى المشاركة في كل شئ وفي حل مشاكلنا الحياتية حتى الخاصة انطلاقا" من مبدأ ( لم لا نفكر بثلأثة عقول بدل عقل واحد فنكون أقرب الى الصواب ) وكان القرار المتخذ بالأكثرية ملزما حتما ..
وفي أواخر السنة الدراسية الثانوية جلسنا نشرب الشاي عند عربة ( أبو أحمد المتوك ) الشهير بشايه و رخص أسعاره . كان ذلك أروع مؤتمر قمة جمعنا من أجل تقييم ما وصلنا اليه و تصوراتنا عن المرحلة التالية و كل منا يحمل أفكارا و هواجسا" لمستقبل لم تكتمل أبعاده و كان طموحنا لمتابعة الدراسة أكبر من أوضاعنا العائلية . و كدنا نصل الى طريق مسدود عندما لمعت فكرة في ذهن أحدنا حين قال و ما زلت أذكر بالحرف : ( طيب شباب شو رأيكم أحسن ما نكون ثلاث حمير فاشلين خليهم اثنين و الثالث يطلع فهمان و متعلم ) بحيث واحد منا يتابع الدراسة و الآخران يعملان لتغطية تكاليف دراسته و سرعان ما تابع الجميع هذه الفكرة بحماس كبيرنرسم تفاصيل الخطة لكن الأشكالية الوحيدة و الكبيرة و التي شغلتنا لوقت طويل هي أن كل واحد من الأصدقاء الثلاثة رشح نفسه أن يكون حمارا" .. و استمر خلافنا و لأول مرة و كل يرشح نفسه للعمل لتغطية مصاريف الدراسة لغيره و دام الخلأف الى حين تخرجنا من الثانوية .
مفاجأة صادمة قام بها أحدنا و لأول مرة و بدون استشارة الآخرين سافر الى السعودية بعقد عمل و بقي اثنان يتصارعان على مرتبة الحمارو أخيرا و تحت أمر وقع كان اجماعنا أن يعمل سنة و يدخر لمتابعة أول سنة في
بلد أوربي رخيص الكلفة كيوغسلأفيا و تحلحلت مشكلة الآخرين بعد أن رسب أحدهما عامدا متعمدا بمسابقة القبول في كلية الهندسة في دمشق و نجح الآخر وكان نصيب الراسب أن عمل في احدى المؤسسات التي أوفدته الى فرنسا على نفقتها و أصبح يدعم صديقيه حتى
تخرج الأول مهندسا و بدأ يشارك بمساعدة الآخر و تخرج رجل يوغسلأفيا مهندسا و تزوج و أقام هناك ..
اثنان بقيا يعملأن معا" شركاء في كل شىء و يضعا كل دخل لهما أيما كان مصدره في حساب واحد و كل يسحب ما يشاء و متى يشاء كل ما يلزمه من هذا الحساب دون حساب أو رقيب و كان الله شريكنا الثالث فازدهر عملنا و زاد في رزقنا . وكل وجد شريكة حياته
التي قبلت مسبقا بشرط نظامنا الأقتصادي الذي انتهجناه كل سني حياتنا و كان لتفهم الزوجات أثر كبير في نجاح أعمالنا و دوام و استمرار هذه التجربة الفريدة و المتفردة .
و مضت سنوات عدة و قررنا الهجرة . و هاجرت العائلتان معا" وتا بعنا على نفس المنوال سنين عديدة في المهجر ,
وتشعبت أعمالنا و تعددت ممتلكاتنا بفضل من الله الى أن قرر صاحبي أن يعود الى الوطن . وكان ذلك سببا" من أسباب أخرى فقد كبرنا و كبر أبناؤنا أيضا و خشينا أن يختلف الأبناء من بعدنا فقد قررنا فك هذا الرباط الأقتصادي
و الذي دام أكثر من خمسين عاما" لم نختلف يوما" على أمر و خصوصا" ما يتعلق بالمال و الأعمال .
سبقنا الى رحمة الله صديقنا في أوربا و ترك ابنة و أحفادا" وكنت أدعو الله أن أسبق صاحبي الثاني صاحب العمر و رفيق الحياة الى رحمة الله لكن يشاء الله أن تخطفه الملأئكة الى جنة النعيم باذنه تعالى و شاء القدر أن أبقى لأدون هذه الخلاصة و الجزء الأهم من حياتي لعل أبناؤنا يفهمون معنى الصداقة الخالصة و المخلصة .
.png)
